لاشك أن الشماتة هي شعور بدائي ولكن لا يمكن لكثيرين – وأنا منهم - أن يخفوا سعادتهم بنتيجة الانتخابات البرلمانية في مصر لعام 2010 حيث فاقت نتيجتها كل التوقعات حتى أكثرها تشاؤما.
وبالأمس أعلن الإخوان المسلمون والوفد الانسحاب من الانتخابات بعد أن لبسوا العمة وجلسوا على الخازوق الذي أعده لهم الحزب الوطني هم وبقية أحزاب المعارضة. ولكن انسحاب المهزوم لن يجدي فتيلا فقد جاء بعد انجلاء المعركة وبعد أن قتل من قتل وأصيب من أصيب ورفعت رايات النصر حفاقة وليس للمهزوم سوى أن يلعق جراحه وحيدا وبعيدا عن صخب القوم المنتصرين.
لقد نادى عقلاء هذه الأمة بمقاطعة انتخابات كان معروفا سلفا انها ستشهد تزويرا هائلا ولكن دعاة المشاركة أصروا على أن يعطوا للحزب الوطني وللنظام شرعية غير موجودة لا في الواقع المتحقق ولا الواقع الافتراضي وراحوا يدافعون عن ضرورة المشاركة الفعالة وكتب عمرو الشوبكي أن مقاطعة الانتخابات لا تصنع ديمقراطية كما كتب محمد البلتاجي ايضا حول فقه المقاطعة وكتب الدكتور يحيى الجمل مقالة متفائلة هي تمنيات أكثر منها توقعات بان الحزب الوطني ربما يرى انه من الأصلح أن يحصل على 60 في المئة من مقاعد المجلس مقابل 40 في المئة للمعارضة والمستقلين، ولكن يبدو أن كل هؤلاء كانوا يحرثون في البحر.
لقد كنت أنا متشائما للغاية بشأن هذه الانتخابات ولكن أتضح أن تشاؤمي كان تفاؤلا مبالغا فيه فقد توقعت أن يحصل الإخوان على 18 إلى 25 مقعدا وان يحصل الوفد على نفس العدد تقريبا مع فارق صوت أو صوتين لصالح الوفد بحيث يصبح هو حزب المعارضة الرئيسي في الدورة البرلمانية القادمة وينتهي عصر الإخوان باعتبارهم اكبر تكتل معارض في المجلس. وكانت هذه التوقعات تستند إلى ما قدمه حزب الوفد من خدمة للنظام باستدراجه للقضاء على صحيفة الدستور وما نشره عمار حسن الباحث بوكالة انباء الشرق الاوسط عن وجود صفقة بين الوفد والنظام. ولكن أتضح أن الحزب عازم أن يكون الحزب الوحيد الحاكم مثله مثل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق والصين ولكن مع وجود أجواء التعددية.
لنتخيل معا مدرسة يتخرج فيها في احد الأعوام أكثر من 80 طالبا ولكن في العام التالي يتم حرمان هؤلاء الطلبة من الكتب والكراسات والمدرسين وكل شيء تقريبا يمكن أن يساعدهم على النجاح. ألا يوجد حتى طالب واحد فلتة يمكنه أن يخترق هذا الحصار وينجح. ولكن هذا هو ما حدث في "مدرسة المحظورة الثانوية المشتركة" حيث لم ينجح احد والذين سيدخلون الدور الثاني هم قلة ومن المتوقع أن يكون نجاحهم متعذرا.
روى لي شاب صغير اخذ والدته المسنة وذهبا للتصويت لأحد أحزاب المعارضة وفي اللجنة وقبل أن تتناول الورقة التي ستدلي عليها بصوتك يسألك الرجل بابتسامة عريضة لمن تنوي أن تصوت؟. هذا السؤال نفسه غير مشروع ولكن الأغرب من ذلك أن الرجل إذا اكتشف انك تعتزم التصويت لأحد أحزاب المعارضة فانه يغمز للشخص الجالس أمام الكمبيوتر فيقول لك إن اسمك غير موجود. أما إذا كنت تعتزم التصويت للحزب الوطني فمرحبا بك وتيسر لك الأمور ويمكن أن تستخدم بطاقة الرقم القومي إذا كان اسمك غير موجود في الكشوف. هذه المهازل، وما تم توثيقه منها كثير، كانت تستوجب مقاطعة الانتخابات لا إضفاء شرعية على عملية انتخابية من أبشع ما شهده القرن الحادي والعشرين.
لنا أن نتخيل الموقف لو كان الوفد وهو من الأحزاب الكبيرة في مصر والإخوان المسلمين اكبر قوة معارضة، أعلنا مقاطعتهما للانتخابات وسارت في اثرهما أحزاب أخرى مثل التجمع والغد مثلما فعل حزب الجبهة الديمقراطية. سيكون أمام النظام في هذه الحالة خيارين لا ثالث لهما اما أن يقدم تنازلات سليمة تمكن من إجراء عملية انتخابية يتوافر لها الحد الأدنى من الشفافية أو يمضي قدما في إجراء الانتخابات ويجود على حزبه بنفس عدد المقاعد وربما أكثر قليلا. ولو اختار السيناريو الأخير لكان تعرى أمام العالم. وحتى لو اقترضنا انه نظام لا يعرف الخجل ولا الحياء ومصاب بحالة من البرود والبلادة الغريبين، فان عدم الشرعية سيظل سيفا معلقا على رقبة برلمانه أمام العالم اجمع وستظل أي إجراءات مهما كانت صغيرة أو كبيرة يقرها هذا المجلس موضع شبهة وعرضة للطعن فيها.
لقد أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير عن موقفها مبكرا وكتب حسن نافعة يدعو إلى وحدة الصف وضرورة اتخاذ موقف موحد لاسيما في ضوء مراوغة الحزب الوطني وتملصه من أي التزامات جادة بعملية انتخابية نزيهة ولكن أحدا من أنصار المشاركة لم يستمع إليه ولاشك أنهم الآن يعضون بنان الندم. لقد استدرج الحزب الوطني المعارضة إلى معركة غابت عنها كل عناصر التكافؤ والعدالة.
وأمس اعلن الإخوان والوفد انهما سيقاطعان الجولة الثانية ولكنهم لن يقاطعوا سوى الإعادة بعد أن منحوا الحزب الحاكم صك الشرعية الذي كان يريده. الأمر يشبه الحضور إلى الفرح والدخول ببطاقة الدعوة مع الامتناع عن مصافحة العروسين. وسيكون الرد بطبيعة الحال اخبطوا رؤوسكم في اقرب جدار. لقد انتهى كل شيء ولم يعد ممكنا العودة بالأيام إلى الخلف.
أهم ما كشفت عنه الانتخابات أن الدكتور محمد البرادعي الذي يقول منتقدوه من النظام انه لم يعش في مصر ولا يعرفها، أتضح انه هو الذي يعرف مصر أكثر من الأحزاب والتنظيمات السياسية الموجودة في البلد من عقود وهو الأكثر معرفة بالنظام والأكثر قدرة على التنبؤ بمسلكه. وهذه الانتخابات بنتيجتها تصب بصورة مباشرة في صالح الجبهة الوطنية للتغيير لو أحسنت إدارة الموقف واستغلال حالة السخط الشديدة لدى المصريين، فالنظام ببساطة موضع كراهية شديدة في الداخل واحتقار بالغ في الخارج – وهو يدرك ذلك جيدا – ويعرف انه من الصعب أن يستمر في مواجهة تحرك داخلي قوي.
No comments:
Post a Comment